حاذاة الشَّلال عبر الطريق الضيق الممتدِّ خلفه، وشُعوري بالضِّيقِ راحَ يستعِرُ في قفص صدري لمُفارقتي هذا الرجل الذي جَمَعَ في جوارحه حِكمةً ومَحبَّةً بالغتين، شُعوري بأني سأُكمِلُ وحدي سَرَقَ مِنِّي بهجةَ الرحلة التي انتابتني صباحًا، ولكني عندما رأيتُ الشلال والطريق عادت إلى أساريري ابتسامةُ الإصرار التي عَهِدَها في نفسي قبلًا، كان غُبارُ الماءِ المُبعثَرِ في الأجواء ثَقيلًا وباردًا رغم خُروج البخار منه، وعلاوةً على صوته المزعج الصاخب، راحت الرُّطوبة تستقرُّ على جسدي، وشعرتُ بقطرات من الماء تسيلُ فوق وجهي، وعندما تجاوزتُه وجدتُ أن الطريقَ الضَّيِّقَ قد انتهى ولا سبيل لأُكْمِلَ طريقي، ورحتُ أفكِّرُ بأن هناك طريقًا آخر قد ينحدر إلى الأسفل، وقفتُ لأتمعَّنَ بمنظره؛ ولأنظر إلى نهايتِه، توقَّعتُ أن أرى نهرًا أو بُحيرة تنتهي عندها صفعات ماء الشلال الساقطة من فوق، ولكن لم أُصدِّقْ ما رأيتُ بعيني، لقد كانت رؤوس أشجار لغابةٍ كثيفةٍ يتساقَطُ عليها الشلالُ كأنه أوراق أشجار يابسة، اعتقدتُ أن في الأمر لغزًا، ولكن بعد بضع ثوانٍ تذكَّرتُ الزهرة في يد الحكيم وتذكرت ما قاله لي: "إن الحقيقة هي الوعي المعرفي داخلنا، فإذا أدركتَ هذه الحقيقة، أدركتَ قانون ما حولك ماديًّا وملموسًا، فهو جزء من أجزاءٍ كثيرةٍ، وحقيقتُنا المعرفية أقوى من الحقيقة المرئية".